القيمة والقيم

قيمة المجتمعات تقاس من خلال القيم الإنسانية التي يتبناها أفرادها ويمارسونها في سلوكهم اليومي. فكل مجتمع ينهض حين يجعل من القيم مرجعية في علاقاته ومبادئه، وينحدر حين يتخلى عنها.
هذه القيم، التي تشكل العمود الفقري للحياة الأخلاقية، تمنح المجتمعات معناها الحقيقي، وتحدد موقعها بين الشعوب والحضارات. ويستطيع كل فرد أن يميز بين مجتمع وآخر بمقارنة عاداته، وسلوك أفراده، والمنظومة القيمية التي تحكمه.
وغالبًا ما تنبع هذه القيم من إرث حضاري أو من مبادئ إنسانية سامية، كما تنتج أحيانًا عن معتقد يوجه أفراد المجتمع ويوجه سلوكهم.

عندما تختلف القيم بين المجتمعات، يظهر التفاوت في قيمتها. ولهذا السبب نلاحظ أن بعض المجتمعات تكتسب مكانة عالية، بينما تتراجع أخرى بسبب ضعف التزامها بالقيم.

وكلما التزم المجتمع بقيمه، وطبّقها أفراده سلوكًا وممارسة، وصفه الناس بالمجتمع المتميّز.
ولو تأمل الإنسان القيم الإنسانية المشتركة، لأدرك وجود سمة موحدة تمنحه، بفطرته السليمة، شعورًا بجمال الحياة حين يتفاعل معها بصدق ووعي.

لكن الإنسان أحيانًا يبتعد عن فطرته، عندما يسمح للحقد أو الأنانية أو حب التملك بالتحكم في تصرفاته.
وعندئذ، يهمل القيم ويخالفها، ويبدأ في إصدار سلوكيات تسيء إلى إنسانيته.
هذه التصرفات تُضعف قيمة المجتمع، وتُفقده احترام الآخرين، وتُخفض مكانته في منظومة المجتمعات.

وفي المقابل، حين يقرر الإنسان أن يسمو بفكره، ويتجاوز ذاته، ويبني قيمته من خلال خدمة مجتمعه،
فهو يرفع من قيمة الجماعة، ويمنحها موقعًا مرموقًا بين الأمم.

وهكذا، تعتمد قيمة المجتمعات على مدى قربها من القيم الإنسانية أو ابتعادها عنها.
ويستطيع الناس أن يكوّنوا حضارات متنوعة عبر التاريخ عندما يتعاملون مع هذه القيم باعتبارها أساسًا متينًا للتماسك والاستمرار، سواء من خلال ما يصنعونه ماديًا أو ما يتركونه من أثر معنوي.

في النهاية، يحدد كل فرد قيمة مجتمعه من خلال سلوكه وتعاطيه مع القيم، سواء على المستوى الشخصي أو العام.
فمن يلتزم بالقيم ويترجمها إلى أفعال، يرفع من شأن مجتمعه. ومن يخالفها، يُسهم في انحداره.

ختاما

في النهاية، تتجلى قيمة المجتمعات من خلال القيم الإنسانية التي يعتنقها أفراده ويترجمونها إلى سلوك يومي يعكس احترامهم للإنسانية وللحياة. إن التزام المجتمع بهذه القيم يجعل منه مجتمعًا متماسكًا ومتميزًا بين الأمم، قادرًا على مواجهة تحديات الزمن والحفاظ على مكانته الحضارية.
لذلك، يكمن سر نهضة أي مجتمع في تمسكه بقيمه النبيلة، ورغبته الصادقة في بناء مستقبل أفضل لأفراده وأجياله القادمة.
ومن هذا المنطلق، يصبح تعزيز القيم الإنسانية هدفًا جوهريًا لكل من يسعى لرفعة مجتمعه وازدهاره.